You are viewing the Arabic translation of this post. View the English version here.
في عام 2016، تم توجيه اتهام إلى الرئيس البرازيلي في قضية مثيرة حظيت باهتمام إعلامي عالمي. وفي ذلك الوقت، انصب الاهتمام الأكبر على الادعاءات واسعة النطاق بأن الاتهامات تتعلق بقضايا فساد تشمل سياسيين من الأحزاب الحاكمة والمعارضة على حد سواء. ولم تكن هناك مناقشة عامة تُذكر حول القضية المثيرة التي استندت إليها إجراءات الاتهام، والتي اكتشفها وكشف عنها جهاز الرقابة العليا داخل البلاد. وقد اكتشف جهاز الرقابة العليا، خلال مراجعته لحسابات الحكومة البرازيلية لعام 2014 أن الحكومة استخدمت حيلاً محاسبية لتقليل العجز في الموازنة يقدر بمليارات الدولارات، الأمر الذي يحتمل أن ينتهك قانون المسؤولية المالية في البلد. واستخدم الكونجرس البرازيلي نتائج المراجعة كأساس لتوجيه الاتهام إلى الرئيس.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتسبب فيها تقرير مراجعة في إسقاط حكومة. ففي كندا، تسبب تقرير مراجعة عام 2004 حول قيام الحكومة بإساءة استخدام الأموال العامة المخصصة لبرنامج العلاقات العامة بشكل كبير في المساهمة في الخسارة الانتخابية التي مُني بها الحزب الحالي. وبالمثل، فإن تقرير مراجعة صادر عن جهاز الرقابة العليا الهندي في عام 2014، حول عقد شراء مريب للفحم، عزز صورة الإدارة الحالية كإدارة فاسدة. وقد غذى هذا المشهد المطالب الخاصة بالمساءلة والتي تحولت لصيحة تجمع للأحزاب السياسية المعارضة، مما تسبب في نهاية المطاف في هزيمة الإدارة في الانتخابات الوطنية عام 2015.
وتمتلك جميع بلدان العالم تقريبًا جهاز رقابة عليا وظيفي مُكلف بالتحقق ما إذا كانت الأموال العامة تُدار بشكل سليم ومتوافق مع الممارسات السليمة في مجال الإدارة المالية. وهناك أسماء مختلفة تُطلق على أجهزة الرقابة العليا وكثيرًا ما يُطلق عليها: مكتب المراجع العام (في أنظمة وستمنستر)، أو ديوان المحاسبة (في الأنظمة النابليونية)، أو مجلس أو لجنة مراجعة الحسابات (في أجزاء من آسيا وأمريكا اللاتينية).
وتقوم أجهزة الرقابة العليا بتقييم الاستخدام السليم للأموال العامة من خلال اجراء مراجعات مالية تفحص مدى قانونية المعاملات المالية وعمليات مراجعة الأداء التي تقيّم ما إذا كانت الأموال العامة قد استخدمت بكفاءة وفعالية.وتتضمن تقارير المراجعة الصادرة عن أجهزة الرقابة العليا توصيات بشأن كيفية قيام الحكومة بتحسين الإدارة المالية.
ومع ذلك، ففي كثير من الأحيان، تتمكن الحكومات من تجاهل نتائج المراجعة والإفلات من العقاب، ولا سيما إذا لم تواجَه بضغوط لاتخاذ تدابير تصحيحية موصى بها في تقارير جهاز الرقابة العليا. وفي معظم البلدان، لا تستطيع أجهزة الرقابة العليا ردع الحكومة أو إجبار السلطة التنفيذية على اتخاذ إجراءات تستند إلى تقارير المراجعة.وبدلاً من ذلك، يقوم جهاز الرقابة العليا بتقديم نتائجه إلى الهيئة التشريعية الوطنية، التي يتعين عليها حينئذٍ أن تقرر ما إذا كانت ستتخذ إجراءات رسمية استجابة لذلك أو لا. ورغم أن الهيئات التشريعية قد تكون لها السلطة القانونية للمطالبة باتخاذ إجراءات تصحيحية، إلا أنها في الممارسة العملية كثيرًا ما تعجز عن ردع حكوماتها أو المطالبة بتنفيذ توصياتها. وقد يكون التقاعس التشريعي نتيجة للحزبية القائمة على الانتماءات الحزبية للمشرعين والمديرين التنفيذيين وعدم فهم مضمون تقارير المراجعة التقنية.
وكثيرًا ما يتضاعف عجز الهيئات التشريعية في تفعيل نتائج المراجعة بسبب التحديات التنظيمية التي تواجهها أجهزة الرقابة العليا. وغالبًا ما تكافح أجهزة الرقابة العليا لإيصال عملها إلى الجمهور الخارجي أو لتأكيد أهمية وسائل الاعلام بعد اختفاء العناوين المثيرة عن المشهد. وهناك الكثير من أجهزة الرقابة العليا التي تنأى بنفسها عن الاتصال بالمجتمع الأوسع، بل إن بعضها يخشى أن يتسبب وجود أي صلة تربطها بمنظمات المجتمع المدني في توجيه اتهامات ضدها من جانب الحكومة بأن نتائج المراجعة متحيزة وذات دوافع سياسية.
ونتيجة لمواطن الضعف الموجودة في الهيئات التشريعية وأجهزة الرقابة العليا، نادرًا ما تجد تقارير المراجعة مستوى التدقيق العام الذي تستحقه.

ولحسن الحظ، فإن أجهزة الرقابة العليا تعترف بصورة متزايدة بضرورة التعامل مع المواطنين. وقد وضعت أجهزة الرقابة العليا في الأرجنتين والهند والفلبين وكوريا الجنوبية وتنزانيا آليات للتعامل مع المواطنين بطرق مبتكرة ومجدية. وتشمل هذه الطرق آليات يتم من خلالها تمكين المواطنين من الإبلاغ عن حالات الاحتيال والإهمال وإساءة الاستخدام عبر “خطوط ساخنة”، واقتراح مواضيع مراجعة لاستعراضها، والمشاركة في مهام المراجعة المشتركة والمراجعة الاجتماعية. وتنطوي أشكال المشاركة العامة هذه على إمكانية تغيير نظرة الجمهور إلى عمل أجهزة الرقابة العليا.
وترى شراكة الموازنة الدولية (IBP) أن أجهزة الرقابة العليا ومنظمات المجتمع المدني هم شركاء طبيعيون ولديهم مهام متداخلة لتعزيز المساءلة في استخدام الأموال العامة.ويمكن من خلال عمل مشاركة أكبر بين أجهزة الرقابة العليا ومنظمة المجتمع المدني تحقيق فائدة متبادلة لكليهما. وأحيانًا تكون منظمات المجتمع المدني في وضع أفضل من أجهزة الرقابة العليا لتنفيذ استراتيجيات اتصال تمكنها من الضغط على الحكومات لاتخاذ إجراءات تصحيحية تستند إلى نتائج المراجعة. وفي البلدان التي تفتقر فيها أجهزة الرقابة العليا إلى السلطات والموارد، يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تنادي بالحاجة إلى أجهزة رقابة عليا مستقلة وممكنة. ويمكن لمنظمات المجتمع المدني أيضًا الاستعانة بخبراتها في موضوعات القطاع الاجتماعي ووجودها على أرض الواقع لمشاركة معلومات حول المجالات الحاسمة للعمليات الحكومية التي تستحق تدقيق المراجعة، ويمكنها أيضًا جمع الأدلة الخاصة بالمشاكل الموجودة في هذه العمليات.
وفي المقابل، قد تكون مراجعات أجهزة الرقابة العليا مفيدة للمجتمع المدني.وتمتلك أجهزة الرقابة العليا هذه تفويضًا رسميًا للتحقيق في الشؤون المالية للحكومة، وكثيرًا ما تغطي تقارير المراجعة الخاصة بها العمليات الحكومية في القطاعات الاجتماعية. ويمكن لمنظمات المجتمع المدني استخدام النتائج الواردة في مراجعات القطاعات الاجتماعية للمطالبة بإجراءات تصحيحية من الحكومات حول المسائل التي تهتم بها والتي يمكن أن تسفر عن نتائج مؤثرة على الخدمة التي تقدمها الحكومة على أرض الواقع.
كما أن الأمر بالنسبة لزيادة المشاركة بين أجهزة الرقابة العليا والمجتمع المدني يتسق أيضًا مع التوافق الواضح في الآراء بين الخبراء بأن تحسين المساءلة سيتطلب ليس فقط تعزيز المؤسسات الرقابية الحكومية وغير الحكومية بل سيتطلب أيضًا وجود أنظمة تشجع على تحسين الروابط التي بين هذه المؤسسات. وتمثل هذه المشاركة أهمية خاصة في ضوء تقلص المساحات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم والحاجة إلى التحقق من التجاوزات الحكومية. ويمكن أن تصبح نتائج المراجعة وعدم اتخاذ الحكومات لأي إجراءات تصحيحية وسيلة واعدة وغير مكلفة لإبراز عجز الحكومات في تنفيذ المشاريع الممولة من القطاع العام وتقديم الخدمات بصورة فعّالة. ويمكن أيضًا استخدام هذا العمل للتغلب على القصور التشريعي في عمليات المراجعة ولفضح جمود الحكومة في التصدي لهذه المشاكل حتى بعد الإشارة إليها من خلال المراجعات المستقلة.
المزيد من القراءة
هذا المنشور من “هكذا يدخل الضوء”: صنع التغيير في البيئات المغلقة سياسيًا – مجموعة مقالات تختبر الأدلة لكيفية عمل مساءلة مالية في بيئة سياسية حازمة. المجموعة مرفقة بالتقرير السنوي لشراكة الموازنة الدولية IBP لعام 2016.
0 Comments